اولاد حارتنا
في القاهرة كانت مجرد نبض جميل .اخبرني الدكتور أنها بدأت تنبض .أمطرني بسيل من المحذورات .كنت خائف جدا ان لا احسن تطبيق نصائحه ..طلبت من الله ان ينتشر خبرها في كل مكان .لم تكن مجرد مولود صغير .هي كانت ثمرة فقد لثمانية اعوام..
امشي في الطرقات وانظر في وجوه الغرباء ..كأنني لست مثلهم .هم لديهم أطفال يتقافزون أمامهم.عند دوار رمسيس وحديقة مسجد مصطفى محمود .يرتفع الاذن فجأة أسمح مدامعي واقف مع المصلين ..
دعوة الله كثيرا .وكلما زاد أصراري على الدعاء .تزداد لهفتي نحو الصغار ..
(2)
الحسين (عليه السلام ) تقودني شجرة العائلة إلى اصله الطيب فهو جدي الاول ..كنت امكث ساعات طوال وانا ادعو بلا ملل .وفي الخارج يتزاحم الدراويش الذين يعصبون رؤوسهم بالخاصات الخضراء .تذكرني براية بلادي .وكنت أمنح من يرتديها ما فاض عندي من مال .كانت سحناتهم غريبة ..بعضهم كان يافعا جميلا.طلعتهم بهية.وملابسهم متهالكة .يستدرون عطف الاخرين بالدعاء لهم وكثيرا ماكانت دعواتهم مستجابه ..
أترك مشهد الدراويش وفي داخلي استحضره في كل لحظة .كأني رأيت وجه الحسين عن قرب ..
بعد ان اجتاز ساحة المسجد أدفن جثتي بين الحشود.باعة المصاحف والسبح وكتب السيرة لا ينقطع لهم درب .يتكلمون معك بكل ود .وعلى بعد امتار قليلة تسمع طرق النحاس وصناع القدور وكؤوس الماء الفضية التى يزداد بريقها كلما سطعت الشمس بعد الساعة التاسعة صباحا ..
أملأ عيني بتلك الروائع التى لا يتقنها سوى عشاق يسوع المسيح .طلبت من صانع محترف اسمه ميلاد ان يصنع لي خاتم من الفضة ونقش عليه أية الكرسي..
أشعر أنني مشيت كثيرا ذلك اليوم .الحسين وجامعة الازهر .وباعة المصاحف والبخور كانو في انتظار رواد مقهى الفيشاوي ..ثمة طاولة نحاسية تحيط بها ثلاثة مقاعد من ذات النحاس تركن في إحدى الزوايا .لكنها لا تستضيف احد . لانها تخص الاديب نجيب محفوظ حتى بعد مماته لا يشغلها احد .
وانا ارتشف فنجان القهوة المعطرة بأنفاس جدي الحسين .تذكرة ما كتبه محفوظ عن اولاد حارتنا.تلك الرواية التى نال بها جائزة نوبل ..نجيب محفوظ كان يتحدث عن كل الحواري المنتشرة في بلاد العرب .وأظنه يتحدث عن الحارة التى نشأة فيها .كانت مغلقة تكرر نفسها دائما لا تورث شيء لأبنائها سوى فرس لا احد يستطيع إمتلاكها وسيف لا يقتنيه احد وتاريخ صنعه الاجداد ..اما نحن مجرد عقد نفسية كلما ضاق بنا الزمان ننسحب بفخر لتلك الامجاد التى انهارت الان .
في حارتنا يكرهون النساء .والذي ينجب البنات يسمونه إلى البنات .وربما لو في أستطاعتهم ان يطلبون منه ان يأدها حية .في داخلهم يحملون صور مختلفة عن رجالات العصر الجاهلي. يتشبهون بهم ويتوارون بعد ذلك خلف التقدم والمدنية ..
بعد يومين من زيارتي للحسين.وقد تضرعة إلى الله كثيرا ان لا يجعلني عرضة لألسنة اولاد حارتنا ..الذين ينتظرون مني ان اخبرهم بمولود ذكر ..لكن القدر كان اقوى مني ومن اولاد حارتنا البؤساء .أخبرنا الدكتور ان هناك مولود بدأت يتحرك وسط الزحام ..سرعان ما يخرج للوجود..
فكرنا فيه كثيرا إذا كان ولدا سنسميه الحسين .أمي اتصلت بنا من ترهونة .قالت كيف تسمونه الحسين ووالدك على قيد الحياه سميته (محمد ) أخرجوا من رأسي..
لكن الحسين تنازل عن اسمه لنا لإسم اكبر منه .كانت بنت وأسميناها ( بسملة ) .وخرجت للوجود في الحارة التى انكرتها ..
ها قد كبرت بسرعة واصبحت زوجة الان ..وتنتظر مولودها القادم بعد شهور قليلة .أظنها إن كان ولد ستسميه ( الحسين ) ..
السلام على رفاة أبي ( محمد )