طلقات في الهواء
من مجموعتي القصصية
الخريف والبيادق
اكفهر الجو بكل مافيه تلبد بغيم السواد،الكل يسير على غير هدىً حملة الاعتقالات قد طالت القريب والبعيد،التنفس خارج هواء الثورة ممنوع،جندنا من قبل الوحدات العسكرية لمطاردة المعارضين الذين تواروا في الوديان والشعاب مجموعات صغيرة نسمع عنها أنها ذات تدريب عالي،ورهيب لهم سمة الانتحار في أي لحظة
اختفت في احراج وغابات الجبال الشاهقة يظهرون في وقت العتمة للقرى المجاورة ؛وتحت جنح الليل يرسلوا أحدهم ليأتي بالطعام فالجوع قاتل وقرصاته مؤلمة لاتطيق النفس وقعها[تارة تتم الغارة على قن دجاج تُمسك الدجاجة ولاتُسمع لها صوت ابداً ،حتى أن الثعالب التي هي بارعة في الاصطياد لم تبلغ ذلك الشأو في غريزة الافتراس!!
،اي مزرعة محلية ،اي شيء يسد رمق النفوس المرهقة
مجموعات صغيرة لايُعرف مكانها تماماً
التعميم في كل مكان حتى المستشفيات والمراكز الطبية قد نُشِرت كل صور المطلوبين والعسس في كل مكان
البلد مخنوقة من الوريد للوريد !!!
فُصِلت المدن عن بعضها!! كُلِفنابالمراقبة الدورية لخط الشبه الصحراوي الوردية الأولى تمسك من المساء حتى الفجر والأخرى من الفجر حتى المساء وهذا ديدنها!!
مللٌ يعقبه مللٌ !!
الإجازات ممنوعة ثلاثة أشهر لم اذهب مغادرة للبيت حتى شهر رمضان صمناه في تلك السطوح الباردة والحارة في نفس الوقت
على الرغم ان التموين كان جيداً إلا أنه بلا حرية
كمن سُجِنَ ليلاقي حتفه في اليوم التالي بلا طعم
نتنفس هواءً مترب والنفسية صفر
وسيلة التواصل مع الأهل معدومة لاهواتف ولاشيء اللهم إلا دوريات راحلة تجوب تملك الشعاب المكفهرة والمقفرة،دبيب أفاعي )أم جُنيب،والعقارب السامة ليلاً التدخين ممنوع ليلاً إلا في مكان خافي عن الأعين
زيارة الاهل ضروري !
اريد ان أشتم رائحة الحرية ولو للحظة !!
ماهذا الجفاء المطبق تكاد اختنق
يومها صممت على الهروب لزيارة امي التي كانت تترائ لي كل ليلة
خشيت ان افقدها ولم أراها!.
تباًلهذا القمع المهين أكاد ان انفجر !!
مئة كيلو تفصلني عن قرية الاهل والطريق ملها مراقبة برجال الاستخبارات المنتشرين فلو قُبضَ على فسأوع السجن وتهمة سياسية في طبق من ذهب ؛للسجن وربما المؤبد
هناك في العاصمة سياط الجلادين لاتطيق الروح وقعها!!
لابد من الذهاب باي طريقة كانت!!
تسللت وسلمت بزدقيتي لآمر المخزن ووقت هناك وبدوره وقع وانصرفت وفي جيبي ورقة مغادرة كنت قد زورتها ليلا مع رفيقي جمعة والذي كان بارعاً في تزوير الختم ببيضة مسلوقة تُدار بعناية على أي ختم وتُنسخ على ورقة مغادرة جديدة كنت قد حلبتها من سجل مكتب الإدارة
مع انبلاج شمس الفجر ودعت (جمعة ) واوصيته بمقتنياتي خيراً
ابتعدت عن المعسكر مسافة كافية،وكمنت في مكمن بعيد وأصختُ السمع هاها صوت سيارة من بعيد !!
الحمد لله كانت سيارة أجرة تسير بسرعة معتدلة اومأت لها بيدي فتوقفت الحمد لله وايضا هناك مكان شاغر سالتي السائق على وين ياعسكري؟!
قلت له المدينة ان شاء الله تعالى
سُمِحَ لي بالصعود،جلست واستويت في كرسيِ وابتسمت ابتسامة المنتصر ذهبت السيارة تنهب الطريق نهباً وأغنية (الشيخ صديق بوعبعاب
وين الغالي يادار )
وفي قرارة نفسي قد تنفست الحرية منذ شهرين
تخيلت )جمعة يحمل البندقية ووجه المترب وابتسامة الحزن تعلو وجهه )
اقعد فيها ياجموعة!
مااجمل الحرية حتى ولو على حمار او بغل !!
ذاهب )للعجيز ) وهو تصفير لكلمة العجوز تصغير فيه تحبب وجمال لأمي الغالية
اقعد فيها ياجموعة ههههه
جاري في كرسي الأجرة يعتمر لثانة طويلة ولحية
سوداء كثة!!
إنه هندي وذلك من خلال
صمته الفلسفي ؛ذكرني (بغاندي )
راحت السيارة تنحدر المنحدر المؤدي إلى الطريق الساحلي )صوت عمود الكرك (الترسمسيوني ) يصدر طنيناً واضحاً يكاد يطغى. على اغنية (بوعبعاب ) وين الغالي يادار
تحركت في جلستي اوقدت سجارتي ورحت في أحلام اليقظة الجميلة )عند العجوز التي ستستقبلني بالزغاريد ( وخبزة المثرودة ولحم حولي رضيع وحكايات الزمن الجميل )
والأجمل أنني سأذهب لبيت عمي هناك سأرى زوجة المستقبل !
اوه مسكين جمعة ماذا سيفعل في غيابي أين سينام ؟
ماذا سيفعل مع فسيح افاعي (ام جنيب ) وهسهسة عقارب الليل
اقعد فيها ياجموعة!!
أصدر الشريط خرخطة بسيطة أخرجه السائق امسك به ونقره مرتين على (طبلوني السيارة ،ونفخ فيه وارجعه للمسجل ضغطه بابهامه الغليظ تنحنح ونظرة ناحية جليسه الصامت وابتسامة
بدا الشريط في الدوران سمسمية الشيخ الصديق لاتنسى !!
وجاري الهندي صامت لايتكلم ،ذكرني بالممثل (امتشاب ) له صمت شامخ فكانت بهذا الاسيوي قد قرأ أفكاري وزاد في شموخه وصمته
إلا أن رائحته كانت منفرة رائحة البصل تفوح مع كل نفس ،شهيق وزفير
الله غالب ليس لي سوى سيجارة افقدها لتكفيء رائحة البصل المنبعث من (في ) ذلك الصامت )كوبرا منتصبة وخاصة قلنصوته السوداء
طوال الرحلة لايتكلم وانا استرق النظر إليه !!
الكرسي الخلفي في الأجرة لايفتح !!
أسلي نفسي مع (بوعبعاب ) ووين الغالي يادار
ونا راني جايك يادار!!
غير السائق سرعة السيارة طارت في الهواء كأنها (قمري ) إلاذلك العمود لاينفك يصدر ذلك الصوت الأنيني المزعج
مابين صورة صديقي الطيب المضحي
ووجه امي المبتسم وزوجتي المستقبلية
وجاري صاحب الثياب الفضفاضة
تراودني أحلام جميلة وفجأة!!
(بوابة ياكوازي ) اوراقكم وتوهن بالله!
الورقة في جيبي ورقة المغادرة كل شيء قانوني
اخرج الجميع أوراقهم وبدوري وضعت ي.ي في جيبي وهنا كانت المفاجأة!!
شيء في جيبي
وضعت يدي تحسسته
ياساتر يارب اخرجته بمل خفة بعيداً عن أعين جاري فاءذا بها خمس طلقات البندقية كنت قد نسيتها في جيبي ولم اسلمها لآمر المخزن
ورطة بالفعل لو ضبطت معي فإن الجريمة كبيرة
إعدام بهذه الطلقات
وهناك فعلا (وين الغالي يادار ) !
لاالعجوز ولا زوجة المستقبل.وصورة جمعة المسكين !! كلها ذهبت مع الريح !!
(هالبخت العوج )الشباك بعيد مني فكيف اعمل !!
لأرميها بعيدا
وفي هذه الأثناء مابين مد وجزر جائتني الفكرة
هي فكرة جهنمية ولكن ضروري من المجازفة وليكن مايكن
تحرك جاري حهة اليمين واتفرج جيب (جاكتته الواسع مع كل حركة أخرجت الطلقات ودسستها في جيبه بلا اي صوت وكأني ساحر (هندي يراقص كوبرا عنيدة )
فاءذا ضبطت معه فعندي سفارة ستتولى الدفاع عنه
)علي كيفه )
ياما في الحبس من مظاليم !!
استوقفتنا البوابة العسكرية [جندي الشرطة العسكرية ادخل رأسه إلى داخل السيارة !!
وبعينين ونظرة حادة!
تسمر الوجود ولم يتكلم نظر لي نظرة كلها رعب
تسمرت في مكاني !!
مياه باردة نزلت في ظهري حرقن السيجارة في إصبعي ولم انتبه لها !!
(وين ماشي ياصديق)
رد الهندي اناماشي بنغازي فيه مستشفى جلاء حوادث )
اخرج رأسه واشار للسائق بالمتابعة!
داس السائق على الدواسة وابتعدت،وعاد )بوعبعاب ) من جديد وين الغالي يادار
وعيناي تتصيدان الهندي لاستعادة تلك الطلقات من جيبه لم تفلح محاولاتي وراحت ادراج الرياح وكأنه قد فطن بي ولم يعطني اي مجال لذلك وصلنا لمدينة البيضاء ونزل الهندي واستقبل سيارة أخرى جاهزة
ولعل فيها شريط بوعبعاب )وين الغالي يادار )
ابتعدت سيارته وأنا انظر إليه بحسرة
انتهت
فيتوري العبيدي
البيضاء ليبيا
