طواحين 26…
كانت ليلة ممطرة .قالت أمي وهي تسرد لي قصة رحيل والدي .مازالت الطريق طويلة .الان فقط عبرنا الممر ووصلنا الضفة الاخرى.كان امامنا مسرب ضيق سوف نجتازه لنصل الى الطريق العام .
كما قلت لك كانت ليلة ممطره .سألني ماذا أعددت للعشاء.بحثت في القب الذي نطبخ فيه الطعام لم اجد ما نأكل.عدت وقلت لا شيء..أخرج آهة طويلة وادمعة عيناه ثم قال .لن اقف مكتوف الأيدي لأرى هذا الطفل وهو جثة هامدة في موطن يشقه نهران .سوف ارحل وحسب .
لم يقل أين ينوي الرحيل .أخشى ما اخشاه ان يكون رحيله أبديا. إللي زي بوك ما يتحملوش الجوع ..راقبته وهو يشق الظلام .كان قد أتخذ طريق الخرمة .لم أدخل البيت إلا بعد ان عوت الكلاب في راس العيد .
كان جدك عبدالرحمن يقيم في الفراشيني أخبره تاجر غلة مر علي القرية سأل عن والدك فأخبره الجميع إنه قد رحل .لقد نسيت جدك أيضا لم يخطر ببالي ان يعود بعد كل هذه السنوات .لا ندري به ذات يوم وهو يترنح على ظهر الدابة .جاء به طريق الساقية لم يكن يحمل شيئًا بعد كل هذه المدة .حين استراح قلت له .أين كنت كل هذه المدة .سحب اخر نفس من دخانه لبده ثم اجاب .جربت حضي في بلد الطواحين لكنني لم افلح .قررت أن ألتحق بالمملكة المنسية .وطأتها ليلا لكنني تحسست ترابها الدافئ .لطالما عبرنا بحر الرمال ودخلناها فاتحين .كانت جرداء.وبحرها الاصفر الرملي لم يترك لها نبض واحد لنعيش عليه .ولكن ما إن هطل المطر حتى فاض نهر سيليبس وغمر تراب تارغلات عن اخرها .نفخنا فيها من اصرارنا ولازالت تنبض حتى الان .بعدها تعقبت مالك ماشية من ورفلة كان يبحث عن العشب يجر قطيع ورائه ثلاثة رعيان الي ارض الفراشيني وها آنا قد عدت .لكن ولدي الوحيد قد رحل .كأننا نقتسم الزمن انا وهو .والعاقبة خيرا ان شاء الله .
صعدنا تلة تشبه رابية الذئب الاحمر .هكذا كنا نسميها .فتناها الي سمعنا وقع الطبول والدفوف .وفي النهاية دخلنا الحي على ظهر سلحفاة .
واينما كنت أنت ثمة نساء وبنات وقصص تختفي لتعود .وربما قصتي بدات الان …
علي غالب الترهوني
بقلمي
