لم أفهم ما ترمي إليه العرافة الجميلة .حين وضعت إبهامها على صدري أحسست بسريات الدم يتدفق في عروقي .مما زاد من إنتعاشة .وصرت قادر على الحركة أكثر من ذي قبل .كما أنني بدأت أبحث بين النساء عن إمرأة تعوضني عن سيدتي الجميلة .
ماتزال بنات حي قاسم يتوسطن الحلقة الأسطورية. وقد دخلت فجأة إمرأة في العقد السابع من عمرها وهي تمسك بفتاتين بدى على محياهما سعادة غامرة .وقد ركعن أمام الرهط المبجل .تقدمت نحوهما شيخة بدينة تدلت صخائب عقد من الماجار الأبيض من عنقها. صارت تتقرع في الخواء وهي تمسح على رأسيهما بيدين خشنتين .همست الشيخة أخيرا في أذن الأم التى رسمت على وجهها هالات من الحزن والخوف .أطلقت بعدها زغرودة إنتهت برعشة أفزعتني مما جعلني أنسحب ألتحق برجال الحضرة ..الذين بدأوا الآن في إستحضار أرواح الأولياء. .
حين رآني والدي أقف غير بعيد .تقدم نحوي .قال ..هل أنت بخير ..قلت وأنا ألقي نظرة على الجميع ..لابأس. .نعم بخير .
الحلقة إتسعت هذه المرة .أصبحت على شكل ثلاثة دوائر. يتوسط الحلقة الاولى كانون الفحم .إنبعثت منه رائحة البخور والجاوي . وكلما بردت الدفوف تطوع الشباب وصاروا يقلبونها فوق الجمار وأعاودها بسرعة البرق لأكف المجذوبين.
فارس سعيدة الحاضر الغائب. .قصائده تعلو سماء رأس العيد. .وبينما تنوخ الرؤوس على الوقع الرتيب .صرخ أحد الشيوخ الذي نهض لتوه من على الأرض بعد أن كان يشبه كرة الثلح وقد مسح الحلقة بجسده النحيل ..خرج من الحضرة وهام بعيدا وهو يركض وراء خيالات أتي بها السديم ..ثم عاد بعد لحظات وهو يحمل بين يديه ثعبان أسود عظيم ..رمي به وسط الحضرة ..مالت عليه الدفوف وقد إنحنى حامليها وهم يرددون ..الله .الله ..الله .. والثعبان جثة هامدة. .
ضمني والدي وهو يردد الحمد لله ..وهو لا يدرك أن عراقة الخرمة تقصد معنى آخر حين قالت ..إبحثوا عن الثعبان قبل أن يبتلعه الرمل ...
يوسف الهمّالي
